مريم كامارا هي مؤسسة ومديرة Atelier Masomi، وهي شركة عمارة وأبحاث في نايمي، عاصمة النيجر. كما أنها عضو مؤسس في united4design الجماعية التي تتخذ من سياتل مقراً لها وتنفذ مشاريع في الولايات المتحدة وأفغانستان والنيجر. وهي أيضاً أستاذ مشارك مساعد في جامعة براون وناقدة معمارية في مدرسة رود آيلاند للتصميم.
نص الحلقة:
ف. ا.: مرحباً بكم جمعياً، معكم فرح الخوري، معمارية في فريق ترينالي الشارقة للعمارة. واليوم ضمن سلسلة حوارات الترينالي، من مجتمع عمارة وأكثر، يسعدني أن أرحب معكم بضيفتنا مريم كامارا، وهي مؤسسة ومديرة استديو ماسومي، وهي شركة للعمارة والأبحاث في نايمي، عاصمة النيجر. كما أنها عضو مؤسس في شركة united4design الجماعية التي تتخذ من سياتل مقراً لها وتنفذ مشاريع في الولايات المتحدة وأفغانستان والنيجر. وهي أيضاً أستاذ مشارك ومساعد في جامعة براون وناقدة معمارية في مدرسة رود آيلاند للتصميم.
يسعدني أن أرحب مجدداً بمريم، التي تقدم بالتأكيد دوراً مهماً ومؤثراً في المنطقة.
أهلاً بك معنا مريم كامارا، نرحب بك من الشارقة.
م. ك.: شكراً لاستضافتي فرح، يسرني جداً وجودي معكم اليوم.
ف. ا.: [00:01:42] إنه لشرف لنا أن نتحدث معكِ اليوم ونتعمق أكثر في ممارستك المعمارية ونتعلم منها، وأن نبحث في السياق الذين تتبعينه في عملك والتحديات التي يقدمها، كما نود معرفة المزيد عن نهجك في البيئة المبنية.
م. ك.: بالطبع! من دواعي سروري.
ف. ا.: [00:01:55] في عام 2013 كنتِ أحد مؤسسي مشروع United4Design التعاوني (متحدون من أجل التصميم) ومقره سياتل، وفي عام 2014 أسستِ لممارسة معمارية في النيجر متمثلة بـ استديو ماسومي، هل لك أن تحدثينا قليلاً عن نهجك المتبع في النيجر والولايات المتحدة على حدٍّ سواء؟ وما هي أوجه الاختلاف بين عملك في كلا السياقين؟
م. ك.: نعم، لقد كانت بالفعل عملية مثيرة للاهتمام وحدثت مرتين. حيث كانت المرة الأولى التي عملت بها في النيجر هي من خلال عملي مع United4design، وبشكلٍ غير مباشر، كانت هذه التجربة مقدمة لإنشاء شركتي الخاصة. كنت محظوظة للغاية حيث بدأت العمل مع ثلاثة متعاونين آخرين. وبعد أن أنجزنا أول مشروع لنا هناك، أنشأت شركتي بشكل دائم في النيجر. وجعلني ذلك أدرك حجم الإمكانات التي كانت متاحة هناك. وما هو أكثر من ذلك، أحدث هذا السياق نقلة في طريقة تفكيري على أكثر من صعيد، وذلك لأنني تلقيت تدريبي في الولايات المتحدة، وهناك توجد طرق محددة لممارسة العمارة، وتُفهم بعض الأمور بأطر محددة، ومنها طريقة الرسم، وطريقة التفكير في المشروع وكيفية تنفيذه. ونظراً لكون العمل في النيجر له سياق مختلف تماماً كان عليّ أن أتبنى عدة طرق مختلفة، ولكن في ذات الوقت خلق مجموعة مهمة من الفرص، خصوصاً تلك التي تتضمن العمل مع البنائين أو الحرفيين.
لقد كان التعامل معهم بالفعل تجربة مغايرة، حيث أنه لم يكن الأمر يتعلق بالرسومات والتفاصيل التقنية، بل على العكس، كان أقرب ما يكون للعمل الحر أثناء وجودي في الموقع معهم، حيث كنت أشرح الأفكار هناك، وأحياناً أرسمها على الرمل للتوضيح. لقد كانت طريقة مختلفة تماماً في ممارسة العمارة وأغرمت بها.
ف. ا.: عادة ما تبدئين محاضراتك بشرحٍ تفصيلي عن سياقك المعماري الخاص، وبالنسبة لشخصٍ لا يعرف الكثير عن النيجر أو ربما هناك أحدهم لم يسمع بها من قبل، هل لك أن تشرحي لنا الآن بإيجاز عن السياق الذي تعملين من خلاله؟
م. ك.: نعم، يهمني القيام بذلك في بداية كل محاضرة، لأنني أتوقع فعلاً أن هناك أحدهم لا يعرف ما هي النيجر، أو أين تقع. وعادةً قد أكون محظوظة ويظن البعض أنها نفسها نيجيريا لأنهم لم يسمعوا تلك الكلمة من قبل. لذا من المهم جداً بالنسبة لي أن أتحدث عنها جغرافياً وأن أبين أين تقع، لأن هوية النيجر وعمارتها تتأثر بشكل كبير بموقعها الجغرافي. لذا، لهذين السببين، وليتسنى لي شرح عملي حتى، لا غنى عن أن أقدم تعريفاً عن البلد ومكانتها الجغرافية.
لذا يعتبر ذاك السياق مهم للغاية، وخصوصاً أن للبلد طبيعة مناخية مختلفة ولا بد من تناولها من وجهة نظر معمارية، خاصة عندما تواجه تحديات اقتصادية وتحديات في الوصول للعاصمة، لذا فإنه ذلك الموقع الجغرافي المميز والتحديات التي تواجهنا هو ما يجعل العمل على الشكل الذي هو عليه.
ف. ا.: تتحدين من خلال محاضراتك فكرة تطوير المدن النامية باتخاذ نماذج غربية. برأيك، كيف ترين شكل مدينة نامية مثل نيامي في ظل النمو السكاني المتزايد؟ وهل يمكن للمدن الإفريقية أن تطور نموذجاً عمرانياً حضرياً فريداً من نوعه؟
م. ك.: أعتقد أنه حين نتساءل عن شكلها المستقبلي، لا بدَ أن يكون الجواب هو أن تشبه نفسها، أليس كذلك؟ أجد صعوبة بالغة في فهم لما على أي مكان أن يشبه مكاناً آخر، إلا إذا كانت هناك أسباب مقنعة فيما يتعلق بالاحتياجات أو أوجه الشبه، هل ما أقوله واضح؟ فلنأخذ فرنسا على سبيل المثال: باريس لا تشبه أي مدينة أخرى، أليس كذلك؟ هي تشبه باريس فقط ويعود ذلك لأسبابٍ محددة ولأن هناك تاريخ يقبع بين جدران تلك المدينة. هناك نوع من النشاط العالمي والتجاري بالإضافة إلى تركيز السكان، ومجموعة من الأشياء المختلفة الأخرى التي تضافرت بالفعل لجعلها ما هي عليه الآن.
في اللحظة التي نبدأ فيها التفكير أن التحضر أو التمدن هي مفاهيم أوروبية المنشأ، نبدأ بمواجهة المشاكل. ومن الواضح، أن العديد من المدن كانت قائمة قبل وجود المدن الأوروبية بفترات طويلة، سواء كانت في آسيا أو أفريقيا، أو حتى مدن عالمية، فالمدن المزدهرة نجدها دائماً جزءاً من مسارنا. لذا، لا يوجد هناك سبب يمنعنا ونحن في القرن الحادي والعشرين من إيجاد طرق جديدة لتصور مدننا مع الحفاظ على تاريخها العريق. بالضبط مثل أي مكان آخر، العديد من الأنشطة مطلوبة، سواء في مجال الإسكان أو تلاقي المجتمعات أو حتى في طريقة البنية التحتية المستخدمة.
وبالتأكيد نحن نعيش في عصر العالمية الآن ويوجد الكثير من الأشياء التي يتم تبنيها من مكان ما ونقلها لآخر، وهو أمر ممتاز لأنه أتاح الاستخدام الرائع للتكنولوجيا، بالإضافة إلى الاستفادة من تطورات البنية التحتية، الشيء الذي لا يمكن تجاهله، ولكن هذا جزء بسيط من الأمور التي تبني المدن. كافة التفاصيل الأخرى ذات خصوصية محددة أكثر من أن تكون عالمية. وأعتقد بالفعل أنه حين التفكير بمستقبل المدن، تأتي هذه التفاصيل الخاصة محض الاهتمام لدينا حتى يتسنى لنا بناء أنظمة بيئية مستدامة في تلك الأماكن.
ف. ا.: تُعرف النيجر بأنها من أعلى الدول بمعدلات الخصوبة في العالم. ما هي التحديات التي تفرضها هذه الحالة على المعماريين؟
م. ك.: من الضروري جداً بالنسبة للمعماريين والمخططين الحضريين أن يفكروا جدياً في هذه القضايا. هذه في الأساس مشكلة هذا القرن، أليس كذلك؟ هذا التحدي مع التحدي البيئي هما أهم أمرين يجب أخذهما بعين الاعتبار وبخطى جدية. ونحن كمعماريين، لدينا فرصة مميزة فعلاً. لنبدأ في إعادة التفكير بالأشياء، بالطريقة نفسها التي غيرت فيها الثورة الصناعية والتحضر في أوروبا وأمريكا في أوائل القرن العشرين نمط معيشة الناس وطرق بناء المدن وتقريبها.
بالإضافة إلى ما يراه الحداثيون كنماذج جديدة للمساحات الحضرية والمعمارية... ويبدو أنه في هذا القرن، هناك شيء على هذا النسق يجب أن يحدث في أماكن مختلفة وأن يأخذ بالحسبان التحديات البيئية، وكذلك معدلات النمو التي لم نرها من قبل، أليس كذلك. وبالأخص في آسيا، لقد بدأ الأمر بالحدوث وذلك على سبيل المثال. وبالتالي فإن أفريقيا بالتأكيد هي المكان التالي لحدوث التغيير.
ولذا فإن هذه فرصة للتفكير بطريقة أكثر دقة، أفكر بالمباني التي نبنيها ولماذا نبنيها وكيف يكون شكلها وكيف تعمل. وفي هذه المرحلة، كان لدينا الوقت الكافي لتجميع المراجع وتحليل نتائج النهج الحداثي، أو الثورة الصناعية التي أنشأت هذا النهج في أوروبا وأمريكا، وأن نحاول تعلم بعض الدروس من الأشياء الرائعة التي نتجت هذا السياق والتي عكس ذلك، إنه لأمر رائع. حتى نتمكن من التفكير بشكل عملي في تركيبة المجتمعات الآسيوية والأفريقية التي ما تزال مهمة للغاية، حيث تكون فكرة البقاء معاً كعوائل ومجموعات مصاغة بطريقة مختلفة، حينها علينا التفكير بأوجه الثقافة هذه ونحن نفكر بكيفية تكثيف القطاعات السكنية والمراكز الحضرية حيث يحصل الجميع على المسكن دون التضحية بروح هذا المجتمع المتقارب.
وجوانب إبقاء الناس على مقربة من بعضهم، كيف لنا أن نحققها بأسعار معقولة؟ مع الأخذ بعين الاعتبار أن ما يعتبر معقول السعر في النيجر ليس بالضرورة معقول السعر في مومباي، أليس كذلك؟ وهذا يعني أننا بحاجة لاعتماد خيارات مختلفة. وهذا هو سبب حذري عند اختيار النماذج. لذلك أعتقد أن هناك الكثير من البحث والتفكير النقدي الذي يجب أن يتم من قبلنا نحن المعماريين، وأن نتأكد دائماً من صحة العمل الذي نقوم به، ولماذا نحن بصدد بناء هذا المشروع، وكيف يمكننا أن نقدم الحلول.
ف. ا.: فيما يتعلق بالمشاركة المجتمعية، تتضمن مرحلة التصميم الخاصة بك مشاركة المستخدم لإنشاء نمط معماري يستجيب للظروف الاجتماعية. هل لك أن تشرحي لنا هذه العملية وكيف تتجلى في مشاريعك المبنية ضمن علاقتها بالبرنامج المتبع والموقع وحجم المجتمع؟
م. ك.: شكراً على طرحك هذا السؤال، لأن هذا الأمر أساسي جداً في عملنا وهو بغاية الأهمية، لأنه، بالنسبة لي، يمثل ما قلته مسبقاً عن ترجمة التدريب الذي نحصل عليه في مكان ما ونحاول أن نخلق أمراً بسياقٍ مغاير يفهم بصدق حاجة السكان المحلية، والرموز المحلية وأن يكون مناسباً للمكان الذي يوضع فيه. لذا، بالنسبة لي، عندما أبدأ العمل على مشروع، وبالذات لو لم يمكن مشروعاً تجارياً، ولحسن الحظ تسنى لنا العمل على عدة مشاريع ثقافية وعامة، حينها، تكون مشاركة المجتمع الخطوة الأولى للعمل.
حتى عندما يأتي العميل مع تصور مسبق للمشروع، نضع ذاك التصور جانباً ونبدأ بإحصاء التفاصيل المهمة، مثل من سيكون مستخدمي المشروع، ونبدأ بإقامة جلسات طويلة جداً على مدار أيامٍ عدة أحياناً، جلسات للاستماع فقط. يكمن السر فعلاً بالسؤال الذي نطرحه في البداية، وأن نستمع لما ينتج عن هذا السؤال، والذي يقدم لنا في نهاية المطاف توقعات واضحة عن المشروع الذي نكون بصدد تطويره. وعادة ما ينتهي بنا الأمر لنعيد التصميم من جديد أو نعيد صياغة البرنامج نفسه، ولكن بذات الوقت يقدم لنا قاعدة صلبة حين نعود للعميل ونخبره بما توصلنا له ونخبره بأن: هذه هي الأمور التي يجب أن يقوم عليها البرنامج. وبالنسبة لنا نحن المعماريين، إنه عامل قوة ويعطينا دعماً كبيراً وثقة في اتخاذ القرار.
كما يمكن أن يكون لذلك تأثير على موقع المشروع وبالذات في المشاريع الثقافية، لأن هذه النقاشات تتيح لنا البحث عن جذور تاريخية محددة. وليس بالضرورة تاريخ المكان، كما يمكن أن يكشف عنه البحث في الكتب، ولكن أقرب ما يكون لتاريخ المستخدمين، الناس، والمكان بالطبع، وهذه التفاصيل عادة يكون من الصعب الوصول إليها ما لم تتحدث إلى شخص ما ذو معرفة تاريخية، وثم يسمح ذلك بظهور بعض التفاصيل الرمزية التي يمكن أن تستخدمها في الحلول المعمارية. حقيقةً، بالنسبة لي، ونحن في هذه المرحلة، أؤمن بأني كنت ذات حظ كبير لاستطاعتي العمل على عدة مشاريع بهذه الطريقة حتى أني بدأت أجد صعوبة في العمل على مشاريع لا تتضمن المجتمع، لأنه ببساطة يصبح المشروع أغنى وأكثر حماساً.
ف. ا.: هل تجدين نفسك قادرة غالباً على إقناع العميل على إعادة صياغة تصور المشروع؟
م. ك.: لا بدَّ أن يكون الأمر واقعياً، أليس كذلك؟ لذا، وجدنا أن عدداً من العملاء يبدون حمساهم الشديد لهذه الطريقة، لكن هذا ليس مناسباً بالضرورة للمشاريع التجارية، صحيح؟ لا يمكن أن نقدم هذه المقترحات في مشروع تجاري، لنقل على سبيل المثال مبنى إداري للمكاتب، ولكن يمكن أن نقترحها في المشاريع السكنية التي يشترك فيها العديد من المساهمون والأشخاص والمستخدمون المحتملون أو من يمكن أن يسكن هناك. يمكن أن يكون صوتهم مهماً وأن يتم الأخذ بمقترحاتهم التي قد يكون لها فائدة مادية للعميل.
لذا نحن هنا نكون مختصين اقتصاديين ونفسيين، لأنه علينا أن نلتزم بمصالح الجميع، لكن العمارة كذلك ممارسة مكلفة. ولهذا، لست متأكدة من أنه يمكننا تجاهل قلق العميل إزاء التبعات الاقتصادية لقراراتنا. ولذا يكون التحدي حينها بالنسبة لنا، هو كيفية العمل مع المجتمعات وبناء مساحات مناسبة لهم وبنفس الوقت نحترم مقدار الاستثمار الاقتصادي المطلوب لتحقيق هذا الأمر. لذا عندما تفضي نقاشاتنا إلى قرار التغيير أو ربما اقتراح تعديل البرنامج، يتم الأمر بعناية فائقة. لا يتعلق الأمر بالضرورة بتغيير البرامج وفقاً لأي شيء يريده المستخدم، ولكن يكون عبارة عن ترجمة لمناقشاتنا مع المستخدم وما نراه مناسباً في إطار جوانب البرنامج التي من شأنها إفادة جميع الأطراف المشتركة فيه لإنشاء مشروع أفضل. في نظرنا.
ف. ا.: أود أن نلقي الضوء على واحد من مشاريعك، نزهات متنقلة، الذي يبحث في موضوع التفرقة بين الجنسين، وهو الأمر المتأصل في العديد من الدول.
وبشكل ما، يعبّر هذا المشروع بوضوح عن نهجك في العمارة. هل لك أن تخبرينا المزيد عن هذا المشروع وعن رد فعل المستخدم والحكومة تجاه هذا المشروع؟
م. ك.: حقيقة ما يزال هذا المشروع جارياً لأنه كان مشروعاً نظرياً مقترحاً. كان هذا المقترح هو أطروحتي البحثية، وكما تفضلتِ سابقاً، يعبّر هذا المشروع عن نهجي خصوصاً وأنها كانت المرة الأولى التي أعمل بها مع مجتمعات محلية، وخلال عملي على هذا المشروع طوّرت أسلوبي الذي أعمل به حالياً. وفي بداية الأمر كان يفترض أن يكون مشروعاً سكنياً، ومن ثم دارت العديد من المناقشات وتحول إلى مشروع لـ أروقة التنزه المتنقل.
لذا تحول المشروع بشكل جذري إلى مشروع عام وثقافي، وابتعد كل البعد عن الفكرة الأساسية إثر مناقشات أجريتها مع طلبة الثانوية الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و18 عاماً، من الإناث والذكور.
وسرعان ما بدأنا نرى من خلال المناقشات مواقف مختلفة فيما يتعلق بكيفية تطرقنا للأمور. إن العالم الخارجي، هو أن تكون خارج منزلك وخارج المدرسة، وفكرة أن للذكور نصيب أكثر من الأمور المتاحة لهم في المدينة، وأن الإناث لهنّ مساحة محدودة إما في المدرسة أو السوق أو المنزل أو في منازل صديقاتهن أو أقربائهن كانت محفزة لي. وحينها تذكرت تلك الأوقات التي مررت بها أنا أيضاً حينما كنت أعيش في النيجر. الأمر الذي لم نبحث فيه من قبل، ولكن أصبح الآن محض اهتمامنا، لما لا يكون هناك مدخلٌ مباشر للمدينة؟
ليس بالضرورة لأنك ذاهب إلى مكانٍ ما، لكن ببساطة لأنك تريد قضاء وقت ممتع مع أصدقاءك. يجب أن يكون لدينا الحرية للتنزه. ومن هنا نشأت الفكرة، وانتهى المطاف بالمشروع ليكون أقرب ما يكون للموقف السياسي، لأنني رأيت أن هناك أمراً مقنعاً للغاية حول تخيل المكان والآلية التي أدت به ليكون أكثر من مجرد مكانٍ لقضاء وقت لطيف، وخلُص المشروع ليكون مشروعاً غير معماري.
إنه أقرب ما يكون للاستراتيجية أو الآلية، يدعمها التصميم الحضري والعمارة. لذا، فهي بشكل ما، كان نهجاً أنثروبولوجياً، ونفسياً للغاية، لأنه كان يتعامل مباشرةً مع علاقتنا بالبشر وكيفية تفاعلنا في العالم الخارجي.
وفي هذه الحالة، كان مركز الاهتمام هو النظرة. ما هي نظرة الذكور عن الإناث، وماهي نظرة الإناث عن بيئاتهم وعن نظرة الذكور، لأنكِ أمام فكرة الإحساس العالي بالذات حينما تكونين في الخارج ويتم النظر إليكِ وربما انتقادك وإدانتكِ.
إذاً، كان هناك كل هذه القضايا المعقدة التي تحدث، مما جعلني أتساءل، حسناً، ما الذي يمكن أن يحدث ليغير هذه النظرات وألا تكون سلبية أو ألا تكون لها دلالات تجعلك تود الهروب منها إلى أمان المنزل؟ كيف لك أن تكون في الخارج دون القلق حيال كل ذلك؟ ولكن هذا كان كذلك بمثابة القوة الدافعة لهذا المشروع.
وعندها أصبح الحوار عن المدينة نفسها، والتنقل في أرجاء المدنية، وطبيعة ممرات المشاة فيها، ومن ثم تحدثنا عن المساحات والأمكنة التي يمكن أن تتحول لمساحات مجتمعية لأن المشروع لم يكن بالضرورة منحازاً لموقف نسوي في أروقة المدينة. هذا ليس بمكانٍ مخصص للسيدات فقط، إلا أنه مكانٌ صديق لهنَ.
أليس كذلك؟ إنه مكانٌ للجميع، لأنه لو كان مخصصاً للسيدات فقط، فأنتِ مرة أخرى، تخلقين شكلاً آخر من أشكال التفرقة. لذا عندما تحدثنا عن هذا المشروع كان عن فكرة التقارب والجمع، وكان عن هذا المخطط، وعن أن الحياة في المدينة ستتحسن بشكل ما من خلال هذه التداخلات، من خلال القدرة على السير بحرية في أرجائها.
لذا بدأنا على مهل بتقسيم هذا المشروع إلى عدة مشاريع أخرى ما تزال جارية، وأوجدنا حلولاً وسطية، وطرقاً لتبني هذه الاستراتيجيات في مشاريع جديدة قابلة للتنفيذ أو مشاريع يمكن لها الاستفادة من هذه الاستراتيجية.
ف. ا.: جميل جداً كيف وصفت هذا المشروع على أنه استراتيجية بدلاً من أن يكون مبنى.
م. ك.: نعم، إنه ليس بمبنى.
ف. ا.: نظراً إلى مشروعك نزهات متنقلة في النيجر. وباعتبار أن العامل المعماري يمكن أن يختلف وفقاً للمشروع والظروف المحيطة به. ما هي الحالات أو المقاييس التي يمكن أن تعتبر فيها العمارة فعلاً سياسياً؟
م. ك.: أعتقد أن العمارة دائماً عندها القابلية لأن تكون فعلاً سياسياً. أظن أنه بالعودة للنقاش الذي خضنا فيه حول مشاركة المجتمع يمكننا أن نستنتج أن مشاركة المجتمع تميل أحياناً إلى كشف بُعدٍ سياسي إلى حد ما ويمكن أن يشار إليه بسهولة.
أعتقد أنه في اللحظة التي نبدأ فيها بإشراك الناس في مكانٍ تواجهه التحديات، تبدأ السياسة بالظهور بشكل تلقائي، والسؤال الآن هو، كيف تعالج هذا الأمر؟ أو هل ستبتعد عن معالجته؟ وكيف ستناقشه كونه جزء من العمارة؟ مع العلم أن العمارة ليست عصا سحرية لحل جميع المشاكل.
وأرى كذلك أننا كمعماريين تعجبنا فكرة إنقاذ كل شيء وكل شخص وأن نجد حلولاً لجميع المشاكل. ومن الواضح أن هذا الأمر ليس واقعياً. لدينا مكانتنا نعم ولدينا إسهامنا الذي نقدمه، ونعم بعض المشاكل لها علاقة بالعمارة بطبيعة الحال ويمكن للعمارة معالجتها، وبعضها الآخر سياسيّ بحت ولا يمكن لغير السياسيين حلها، وبعضها اقتصادي.
إلا أننا نحتفظ بدورنا ومكانتنا، وأظن أن السؤال هو عن التمعن في تصور المشروع ومن ثم وضعه جانباً والتعمق أكثر في المواقع، إنها مشروطة، وهناك أشخاص مشاركون في هذه المشاريع، وكل هذه الأمور المختلفة تساعدنا على رؤية الفرص وتقديم الإسهامات. لذا بشكل أو بآخر، يمكن تحويل أي مشروع إلى مشروعٍ سياسيّ.
ف. ا.: [00:21:22] يقودني هذا إلى سؤالي الأخير، الذي أود أن أطرحه، وهو متعلق بإنتاج المعرفة في أفريقيا. العديد من المعماريين الشباب في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، مثلك، يكملون تعليمهم في الخارج. هل تظنين أن هناك حاجة لاستقلالية إنتاج المعرفة في هذه الدول؟ وكيف ترين إمكانية حدوث ذلك في السياق الأفريقي؟
م. ك.: يا له من سؤال معقد، ولكنه مهمٌ للغاية، لأن السؤال تلقائياً يعترف بأن معرفتنا ما تزال مستعمرة حتى هذه اللحظة، أليس كذلك؟ لأننا حتى عندما نذهب للمدارس أو ندرس في بلداننا، هناك الكثير من المواد التعليمية في هذه الهيئات مستورد من دولة أوروبية. على سبيل المثال، في النيجر، لا يوجد كلية للعمارة، بل في توغو البلد المجاور لنا. وهناك يذهب الجميع لدراسة العمارة والتي تنتهج منهجاً فرنسياً بالتعليم لأنها كانت مستعمرة فرنسية. هذه واحدة فقط من العواقب العديدة للاستعمار الطويل، حيث تحولت المفاهيم بفعل التجربة الاستعمارية وكانت نابعة منها، وتقتضي أن نكون نسخةً عن المستعمرين. وبكل بساطة هذه هي التركيبة المعتمدة، ومع هذا الوضع، يكون إنهاء الأنظمة الاستعمارية مهمة شاقة جداً لأنه في الواقع جميع أنظمتنا الحالية هي نسخة من النظام الاستعماري.
لذا، عندما يتعلق الأمر بالعمارة، أعتقد أنه علينا فهم طبيعية العمارة وطبيعة أنفسنا أولاً. وعلينا ألا ننسى أن الاستعمار كان مجرد لمحة في تاريخنا، وأظن أن ذلك كان الجزء الأصعب، لأن الأمور تبدو وكأن العالم بدأ مع اكتشاف أوروبا للمناطق الأخرى، وهو أمر مناف للعقل، أليس كذلك؟ ولكن تم إعداد كل شيء على أن تلك كانت بداية العالم.
كما أرى أيضاً أن الأمر يتعلق بفهمنا أنه توجد لدينا مشكلة في ديناميكية القوة، وهذا هو الأمر الذي يقف بوجه الخروج من دائرة منهج إنتاج المعرفة الاستعمارية، ونحن نحاول دائماً تقليد شيء لا يشبهنا، ولكن على النقيض، علينا التركيز أكثر على حقيقة أننا نمتلك الموارد المعرفية والمراجع العلمية مسبقاً والتي تثبت أن هناك زخم في المعلومات والتاريخ والتقنيات عندما نبدأ الحديث عن العمارة وأساليبها وتقنياتها. وبالفعل هناك الكثير من العلم يمكننا الانطلاق منه.
لذا، في البداية، نحن كمعماريين مستعمرين، يمكننا أولاً أن نبدأ بالتعلم أكثر عن العمارة غير الأوروبية والتصميم المكاني وكل ما له علاقة بالعمران، ولكن يرافقه معرفة تاريخية غير أوروبية كذلك، حتى يتسنى لنا نزع أنفسنا من هذا النموذج السائد الذي كنا منغمسين فيه إلى نموذج ثانوي جديد. ومن ثم تأتي الخطوة التالية، ألا وهي الإنتاج، كما كنت تقولين، المعرفة التي نكتشفها ونبدأ بإنتاجها بشكل أكثر جدية، وليس من خلال الكتب فقط.
وأرى أن القرن الحادي والعشرين هو في الواقع فرصة مهمة لبدء حدوث هذه التغييرات، من حيث التعليم وإنتاج الكتب وما إلى ذلك. عندما تتاح أمامك جميع الأدوات والوسائل، مثل بث تسجيل البودكاست عبر الإنترنت، كما نفعل الآن، هو وسيلة مهمة لنشر المعرفة، وبالإمكان تحقيق خطوات هائلة والتقدم بسرعة دون الحاجة للمرور عبر الطرق التقليدية، هذا أولاً. ثانياً، أصبح هناك الكثير من المعرفة المتاحة بسبب هذه الأدوات، يمكنك التعلم عن الأشياء بسرعة أكبر. وكذلك يتعلق الأمر ببناء نظم تعليمية قائمة على التاريخ الخاص بدلاً من تاريخ دول أخرى.
ومرة أخرى، يمكنني الاستفادة من تاريخ المكان وتجاربه ومنها تجارب ما قبل الاستعمار للحصول على مدارك جديدة عن كيفية خلق استمرارية في المعرفة لا تنفي بالضرورة التجربة الاستعمارية. إنها جزءٌ منا، لا يمكننا تغيير أي شيء حيال ذلك، ويجب أن تكون هذه التجربة جزءاً من الأمر ككل، لكن علينا أيضاً استخدام ما كان موجوداً مسبقاً. لذا، هي مهمة شاسعة للغاية ويجب أن تحدث على مختلف المستويات، من خلال إنشاء المدارس والمناهج الجديدة، ومن خلال نشر المعرفة التي نجدها ذات نطاق أوسع.
والأمر الآخر في القرن العشرين هو طرق نشر المعرفة، مثل الكتب، كانت نهجاً مسيطراً في أوروبا. لذا، حتى عندما تتم كتابة المعارف، تلك التي لم تكن متعلقة بالمعرفة الأوروبية، كانت تتم كتابتها أو نشرها في بعض الأحيان ضمن سياقٍ أوروبي. مما يعني أن هناك أجندة معينة، لأنك دائماً تملك الخيار بكيفية تقديم شيء ما، أليس كذلك؟ وكيف تروي القصة. تكمن المشكلة بكيفية قيام الجميع برواية قصصهم الخاصة بدلاً من يأتي شخص آخر ويروي قصتك ويوصلها إلى بقية العالم.
ف. ا.: تطرقت أثناء الحديث عن العودة للأرشيف وعن فكرة أن الروايات التاريخية تم تغييرها. لدينا مشكلة هنا في الإمارات بهذا الخصوص، حيث الكثير من الأرشيف الخاص بنا يوجد في متحف بالمملكة المتحدة. هل تواجهون نفس التحدي أثناء محاولة الوصول للمعلومات التاريخية في النيجر أو في السياق الأفريقي؟
م. ك.: نعم، أقصد أنه يكون الأمر أحياناً مشابهاً لذلك، خصوصاً عندما نفكر بشرق أفريقيا مثل النوبة في مصر. أحياناً يكون الأرشيف قد تعرض للتدمير أثناء فترة الاستعمار، في غرب إفريقيا على وجه التحديد. هناك أيضاً حالات تم فيها تدمير مدن محصنة بأكملها من على الأرض واختفت إلى الأبد، أليس كذلك؟ هناك مشروعان في الوقت الحالي يحاولان إعادة بنائهما بنفس الطريقة التي أعيد بها بناء روما.
على سبيل المثال، هناك مدن لا تزال في الجوار مثل تمبكتو، كانت في أوجها، واحدة من أهم مراكز المعرفة وتضم أولى الجامعات في العالم حيث كان الناس يأتون من جميع أنحاء العالم، وخاصة من الشرق الأوسط، من أجل التدريس والدراسة. في مكان مثل هذا، لا يزال هناك الكثير من ملفات الأرشيف، لكنها تنتمي إلى عائلات محددة وهي في حالة سيئة. أمر مؤسف للغاية، وهذا يتطلب الآن الكثير من الأموال لجمع كل هذه المعلومات فعلياً وإنقاذها بطريقة أو بأخرى. المشكلة ليست فقط في أن الكثير من هذه الأرشيفات في أماكن متفرقة، بل أيضاً أنها فُقدت أو دمرت أو يتم تفكيكها حالياً، كما أنه من الصعب الوصول إلى العاصمة مما يتيح لك إعادتها إلى الحياة أو استعادتها بطريقة يمكن أن تكون مفيدة. لكن أعتقد أن كل ذلك ممكن، مرة أخرى، مع التكنولوجيا، هناك الكثير مما يمكننا القيام به الآن.
هذا تبدأ الأمور تتضح على أنها ليست مشكلة معمارية، ولكن مشكلة سياسية، حيث أنه لا يتوجب على المؤسسات فقط التصرف، ولكن يتعين على الحكومات أن تتخذ هذه الخطوة لاستعادة الإرث العلمي، لا أعرف المصطلح باللغة الإنجليزية، ولكن باللغة الفرنسية معناها التراث. مثال على ذلك في غرب أفريقيا، يوجد الآن برنامج شبيه أو قرار، من الجانبين الفرنسي والأفريقي لإعادة الفنون والتحف والمخطوطات الموجودة حالياً في المتاحف الأوروبية وبلدان مختلفة، يمكن بالفعل استعادتها وطلبها. يتطلب ذلك الآن إنشاء متاحف جديدة أو أنواع أخرى من المواقع الحاضنة، ذلك لأنه ليس بالضرورة اقتناء الفن أو أي شيء تراثي ضمن متحف، ولكن هذا موضوع آخر. لا بد أن تبذل الكثير من الجهود في استعادة الأرشيف والتاريخ، كما ذكرتِ، هناك العديد من تاريخ المدن المختلفة يقبع في أوروبا وأمريكا. الكثير.
ف. ا.: من الرائع أن نسمع منك عن هذا الموضوع.
م. ك.: أشعر الآن أنني بحاجة إلى الذهاب لكتابة ورقة بحثية عن ذلك أو شيء من هذا القبيل،
ف. ا.: حقيقة، سيسعدني قراءة هذا المقال.
م. ك.: نعم، هذا موضوع لكتاب. يبدو أن هناك الكثير للتحدث عنه هنا، وهناك العديد من الجوانب التي يتطرق لها الناس بشتى الطرق: مختلف المصممين، سواء كانوا معماريين أو مصممي أزياء أو اقتصاديين، ولكن هناك الكثير من الناس، خصوصاً في أفريقيا، يبحثون في هذا السؤال وهذه المشكلة المحصورة بإنتاج المعرفة بعيداً عن الاستعمار، ويحاولون إيجاد سبلٍ جديدة لا علاقة لها بأسلوب الإجبار أو الفوقية. ولكن كيف لنا أن نجد حلولاً جديدة حتى ولو كان كانت اقتصادياً فيما يخص التجارة؟ كيف يمكننا إنشاء قواعد جديدة؟
ومن الناحية الاقتصادية، فإن هذا أمر يتم بنجاح كبير في العديد من الأماكن المختلفة، حيث ندرك فجأة أن معظم الدول الأفريقية رائدة تماماً في الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول، على سبيل المثال. لقد تم تطوير هذا المجال بحيث يسمح لك بعمل أشياء لا يمكنك القيام بها هنا في الولايات المتحدة. وأعتقد أن ذلك يعطينا لمحة عما يمكننا القيام به عندما ننظر إلى حقائقنا المحلية. ضع ذلك مع التكنولوجيا المتاحة وقم بتصميم طريقة جديدة للمضي قدماً. أعتقد أن هذا هو المكان الذي تصبح فيه الإمكانيات مثيرة للاهتمام ويشع الأمل.
(الهوية البصرية بإذن: ترينالي الشارقة للعمارة، الصورة بإذن: مريم كامارا، تقنية التسجيل الصوتي: Blue Dot Sessions)